responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 467
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الْوُجُودِ مَكْتُوبَةٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: وَإِنَّمَا كَتَبَ كُلَّ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: تَسْتَدِلُّ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ الْمَكْتُوبِ عَلَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَثَانِيهَا: لِيَعْرِفُوا حِكْمَةَ اللَّه فَإِنَّهُ تَعَالَى مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُقْدِمُونَ عَلَى تِلْكَ الْمَعَاصِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ وَثَالِثُهَا: لِيَحْذَرُوا من أمثال تلك المعاصي ورابعها: ليشركوا اللَّه تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى الطَّاعَاتِ وَعِصْمَتِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الْمَعَاصِي. وَقَالَتِ الْحُكَمَاءُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّه بِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُدَبِّرَاتُ أَمْرًا، وَهُمُ الْمُقَسِّمَاتُ أَمْرًا، إِنَّمَا هِيَ الْمَبَادِئُ لِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِي هَذَا الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِوَاسِطَةِ الْحَرَكَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَالِاتِّصَالَاتِ الْكَوْكَبِيَّةِ، فَتَصَوُّرَاتُهَا لِانْسِيَاقِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ إِلَى الْمُسَبَّبَاتِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا فِي كِتابٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا خِلَافًا لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَتَبَهَا فِي الْكِتَابِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَجَاءَتْ مُطَابِقَةً لِذَلِكَ الْكِتَابِ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمًا بِهَا بِأَسْرِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَصَائِبِ الْأَنْفُسِ فَيَدْخُلُ فِيهَا كُفْرُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ، فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِهِمْ بِتَفَاصِيلِهَا مَكْتُوبَةٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَمُثْبَتَةٌ فِي عِلْمِ اللَّه تَعَالَى، فَكَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ مُحَالًا، لِأَنَّ عِلْمَ اللَّه بِوُجُودِهَا مُنَافٍ لِعَدَمِهَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ مُحَالٌ، فَلَمَّا حَصَلَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهَا، وَهَذَا الْعِلْمُ مُمْتَنِعُ الزَّوَالِ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَمِهَا وَبَيْنَ عِلْمِ اللَّه بِوُجُودِهَا مُحَالًا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إِنَّ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ مَكْتُوبَةٌ فِي الْكِتَابِ، لِأَنَّ حَرَكَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَإِثْبَاتُهَا فِي الْكِتَابِ مُحَالٌ، وَأَيْضًا خَصَّصَ ذَلِكَ بِالْأَرْضِ والأنفس وما أدخل فيها أحوال السموات، وَأَيْضًا خَصَّصَ ذَلِكَ بِمَصَائِبِ الْأَرْضِ وَالْأَنْفُسِ لَا بِسَعَادَاتِ الْأَرْضِ وَالْأَنْفُسِ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الرُّمُوزِ إِشَارَاتٌ وَأَسْرَارٌ، أَمَّا قَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَ هَذِهِ الْمَصَائِبَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ الْمُرَادُ الْأَنْفُسُ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُرَادُ نَفْسُ الْأَرْضِ، وَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الْكُلِّ قَدْ تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ نَفْسَ الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودُ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْمَخْلُوقَاتُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا إِلَّا أَنَّهَا لِظُهُورِهَا يَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَيْهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ [يوسف: 2] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّ حِفْظَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه هَيِّنٌ، وَالثَّانِي: إِنَّ إِثْبَاتَ ذَلِكَ عَلَى كَثْرَتِهِ فِي الْكِتَابِ يَسِيرٌ عَلَى اللَّه وَإِنْ كَانَ عَسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر: 11] . / ثم قال تعالى:

[سورة الحديد (57) : آية 23]
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ اللَّامُ تُفِيدُ جَعْلَ أَوَّلِ الْكَلَامِ سَبَبًا لِآخِرِهِ، كَمَا تَقُولُ: قُمْتُ لِأَضْرِبَكَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْقِيَامَ سَبَبٌ للضرب، وهاهنا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ إِخْبَارَ اللَّه عَنْ كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَاقِعَةً بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَمُثْبَتَةً فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَشْتَدَّ فَرَحُ الْإِنْسَانِ بِمَا وَقَعَ، وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ حُزْنُهُ بِمَا لَمْ يَقَعْ، وهذا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 467
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست